تخفيض المساعدات يهدد التكيف مع المناخ في الدول النامية
مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية، فإن تراجع المساعدات الدولية يهدد قدرة البلدان ذات الدخل المنخفض على مواجهة تحديات تغير المناخ.
مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة العالمية وزيادة وتيرة الكوارث المرتبطة بالمناخ، أصبحت الحاجة إلى التكيف السريع مع هذه التغيرات أكثر إلحاحًا.
يشمل هذا التكيف مجموعة من الاستراتيجيات، بما في ذلك تعديل الممارسات الزراعية، وتنويع مصادر الدخل، وتعزيز البنية التحتية، خاصة في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط التي تعتبر الأكثر عرضة لمخاطر المناخ مثل بنغلاديش وإثيوبيا وهايتي وفيتنام.
على الرغم من مساهمتها بقدر ضئيل في انبعاثات غازات الدفيئة التاريخية، إلا أن هذه البلدان الفقيرة تتحمل العبء الأكبر من آثار تغير المناخ المدمرة.
في سياق حيث يكون بناء قدرة التكيف على المدى الطويل أمرًا حاسمًا، تتغير أولويات المساعدات الدولية في اتجاه معاكس.
على مدى السنوات الثلاث الماضية، خفضت عدة دول غنية ميزانيات مساعداتها التنموية بشكل كبير، مع توجيه الأموال المتبقية نحو جهود الاستجابة الطارئة للأزمات.
قد تؤدي هذه التغييرات في الأولويات إلى تقويض الالتزامات المالية التي قطعتها الدول الغنية، والتي تهدف إلى جمع 300 مليار دولار سنويًا لدعم العمل المناخي في الدول النامية والمهددة بحلول عام 2035. في حين تلعب المساعدات الطارئة دورًا حاسمًا في إنقاذ الأرواح أثناء الكوارث مثل الجفاف والفيضانات، فإنها غالبًا ما تصل متأخرة.
على النقيض من ذلك، فإن التكيف مع المناخ هو في جوهره استباقي، يركز على توقع المخاطر المستقبلية وتمكين المجتمعات للاستعداد للبيئات المتغيرة.
يتضمن التكيف تعزيز القدرة على الصمود من خلال التحول بعيدًا عن القطاعات الضعيفة، مثل الزراعة، التي تعد عرضة بشكل خاص للصدمات المناخية.
في بعض الحالات، يعني التكيف تسهيل الانتقالات الآمنة للأسر من المناطق عالية المخاطر، مما يجعل الهجرة خيارًا مدروسًا بدلاً من ضرورة مفروضة.
على سبيل المثال، تقدم الحكومة الأمريكية تمويلًا لبرنامج الأمن الغذائي في إثيوبيا، وهي واحدة من أكثر الدول عرضة للجفاف، بهدف تعزيز القدرة على الصمود من خلال تدريب سبل العيش، وتنظيم مجموعات الادخار المجتمعية، وتقديم منح نقدية تصل إلى 200 دولار للأسر الريفية الفقيرة.
تشير الأبحاث إلى أن هذا البرنامج يحسن بشكل كبير من الأمن الغذائي ويساعد في الحفاظ على الأصول خلال فترات الجفاف.
في نيكاراغوا، أظهرت الأسر التي تلقت تحويلات نقدية بالإضافة إلى تدريب مهني أو منح استثمارية استعدادًا أفضل ضد صدمات الجفاف مقارنة بتلك التي تلقت دعمًا ماليًا فقط.
نجحت هذه الأسر في تعزيز أنشطتها الزراعية بمصادر دخل إضافية، مما خفض الخسائر المرتبطة بالجفاف وحقق استقرارًا نسبيًا في دخلها السنوي.
تعرف هذه البرامج باسم برامج "النقد بالإضافة إلى"، حيث تخلق مثل هذه المبادرات ظروفًا مواتية للأسر لتتكيف مع التغيرات المناخية وتزدهر.
لذلك، هناك حاجة لتوسيع وتعزيز جهود التكيف الاستباقي، ليس فقط لتلبية الاحتياجات الفورية ولكن أيضًا لدعم التحولات الهيكلية على المدى الطويل.
يتطلب ذلك استثمارًا في مصادر دخل مستدامة، وتدريب الأفراد على مهارات جديدة، وتمكين الأسر من الانتقال بأمان وطواعية عند الحاجة.
لقد ساعدت بعض المبادرات التجريبية بشكل ناجح في تسهيل الهجرة الموسمية من المناطق الريفية إلى المدن.
في بنغلاديش، ساعد دعم بسيط قدره 8.50 دولار الأسر المتأثرة بالمجاعة الموسمية في تغطية نفقات السفر، مما أدى إلى زيادة بنسبة 22% في الهجرة للعمالة المؤقتة.
شهدت الأسر التي بقيت في المناطق الريفية تحسينًا في الأمن الغذائي، مما يوضح أن حتى الدعم الضئيل يمكن أن يوفر للأفراد فرصًا للعمل في البيئات الحضرية، وبالتالي تعزيز قدرتهم على التكيف.
يمكن أن تسمح البرامج التي تسهل حركة السكان من المناطق الريفية إلى البيئات الحضرية بالهجرة الكريمة، بدلاً من إجبار الأفراد على المغادرة بسبب الأزمات.
ومع ذلك، يبقى توسيع نطاق هذه المبادرات بنجاح تحديًا كبيرًا، يتطلب التزامًا سياسيًا قويًا إلى جانب حوكمة فعالة وسليمة.
بدون رؤية ودعم فعال، غالبًا ما تنشأ الهجرة من الحاجة بدلاً من الاختيار الحر، وعادة ما تحدث ضمن الحدود الوطنية، على عكس تصوير الهجرة الجماعية عبر القارات.
حاليًا، يقيم حوالي 59% من الأفراد الذين تم تهجيرهم قسريًا على مستوى العالم داخل بلدانهم.
بحلول نهاية عام 2023، وصل عدد النازحين داخليًا إلى مستوى غير مسبوق بلغ 75.9 مليون في 116 دولة، مما يعكس زيادة بنسبة 51% خلال خمس سنوات، ويرجع جزئيًا إلى آثار تغير المناخ.
توضح السوابق التاريخية النزوح الناتج عن تدهور البيئة.
في ثلاثينيات القرن الماضي، شهدت الولايات المتحدة جفافًا شديدًا مصحوبًا بعواصف غبارية فوق الأراضي العشبية الكبرى، والتي عرفت فيما بعد باسم "صندوق الغبار"، مما أدى إلى انخفاض زراعي واسع النطاق واضطرار ملايين الأشخاص للتخلي عن منازلهم في ظل تفاقم الأزمات الاقتصادية.
بينما يمكن للمجتمعات التكيف، فإن ذلك يتطلب تخطيطًا استباقيًا واستثمارًا حقيقيًا وشجاعة سياسية.
نظرًا للتهديدات المتزايدة من المناخ، لم تعد السياسات الطموحة والطويلة الأجل من الرفاهية بل ضرورة ملحة.
من خلال دعم استراتيجيات طويلة الأجل، يمكن للدول الغنية والمنظمات الإنسانية تمكين المجتمعات الضعيفة من التكيف والصمود، وكذلك الهجرة عند الحاجة، ولكن بكرامة وإرادة، بدلاً من الخوف واليأس.
Translation:
Translated by AI
Newsletter
Related Articles